لماذا أنا بالذات ؟
سؤال يكرره بعض المبتلين بالشدائد و الأمراض : لماذا أنا بالذات أصاب بهذه المصيبة دون غيري ؟ أنا الذي لم أتسبب في الشر على أحد ولم أكن يوماً من أهل السوء ولا الآثام العظام ؟ لماذا أصاب بهذا البلاء الذي جعل حياتي أشبه بالسجن الذي يقيدني عن الاستمتاع و الحركة كغيري ممن هم في سني و أسوء مني خلقاً و ديناً، كيف بعدما بذلت نفسي في سبيل اسعاد الآخرين و أقمت العبادات ابتلى بما يذهلني ؟؟
ولكنك ايها المتسائل إذا علمت و تيقنت أن ما أصابك لم يكن ليخطأك و أنه بقضاء و قدر من الله جل في علاه الذي يصرف الكون كيف يشاء يخف ألمك و يتلاشى، فما يجري كتبه عليك قبل أن يخلق السموات و الأرض بخمسين ألف سنة كما جاء في الحديث الصحيح ، وفقاً لعلمه بأن هذا القدر و الابتلاء هو الأفضل لك ، و سواءً عرفت الحكمة و اتضحت لك أم لم تعلمها فإن ما يحدث في الكون من شيئ إلا في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى .
إن اليقين بحكمة الله و علمه و هيمنته على الحياة بكل ما فيها من تفاصيل دقيقة يعين على الصبر و يبث في النفس الراحة و الرضا فلا يجد هذا السؤال موقعاً في نفسك ، لأنك تعرف الإجابة : أنت بالذات لأن حياتك لا تصلح إلا بهذه المصيبة ولا تستقيم إلا بهذا الألم و الإبتلاء وعلمك بأن الله يبتلي ليهذب و يعدّل لا ليعاقب و يدمر : يمحو من نفسك سؤال : ( لماذا يعذبني الله ؟) فالبلاء لا يكون عقاباً و لا عذاباً بل قد يكون حباً كما جاء في الحديث الصحيح : ( إذا أحب الله عبداً حماه في الدنيا كما يحمي أحدكم سقيمه الماء) ألا يصل بنا أحياناً أن نمنع المريض من الطعام و الشراب رحمةً به و حماية له ؟
يبتليك الله دون غيرك لعلمه أن هذا البلاء سيصلح حياتك على المدى القريب و البعيد وهو خيرٌ لك من العافية فيقدره عليك ليرفعك في الدنيا و الآخرة و يخلفك خيراً مما أخذ منك .
الثقة بالله و بحكمته و رحمته ولطفه تجعلك قوياً من أعماقك فتصبر على البلاء و ترتقي إلى درجة الرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بمحمد ﷺ نبياً و رسولاً .
المؤمن الذي يحب الله من قلبه وهو أحب إليه من نفسه و أهله و ماله يصبر على حكم الله و قدره و لا تهيج نفسه بالتسخط و التلّوم و الألم ، بل تصبر و ترضى و تهدئ لما جاءها من الله، وليس ذلك لقسوة في طبعه إنما قوة في إيمانه و صلابة في يقينه بأن كل قضاء يقضيه على المؤمن فهو خيرٌ له ، و ما عند الله خيرٌ و أبقى .
فكل ما جاء و سيجيئ في هذه الحياة هو لطفٌ من الله اللطيف الخبير ، و رحمة يصيب بها من يشاء ،ومن أمر الله و حكمه الذي ارتضاه علينا في هذه الحياة الدنيا، لا راد لأمره ولا متحكم بقضاءه فعّالٌ لما يريد وقتما يشاء و كيفما يشاء لمصلحة عباده .
فكيف بعد ذلك نسأل : لماذا أنا بالذات ؟