يداً بيد معكِ نحو ما يطمح إليه قلبكِ

فضل سورة الفاتحة

فضل سورة الفاتحة من كتاب الطب النبوي لابن القيم

فاتحة الكتاب)، وأم القرآن، والسبع المثاني، والشفاء التام، والدواء النافع، والرقية التامة، ومفتاح الغنى والفلاح، وحافظة القوة، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن، لمن عرف مقدارها، وأعطاها حقها، وأحسن ترتيلها (2) على دائه، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها، والسر الذي لأجله كانت كذلك.

ولما وقع بعض الصحابة على ذلك: رقى بها اللديغ، فبرأ لوقته. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:

” وما أدراك أنها رقية “.

ومن ساعده التوفيق، وأعين بنور البصيرة – حتى وقف على أسرار هذه السورة، وما اشتملت عليه: من التوحيد، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والافعال، وإثبات الشرع والقدر والمعاد، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الامر كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الامر كله، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين. وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما، وأن العافية (1) المطلقة التامة، والنعمة الكاملة، منوطة بها، موقوفة على التحقق بها. – أغنته عن كثير من الأدوية والرقى، واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشر أسبابه.

وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى، وعقل آخر، وإيمان آخر. وتالله:

لا تجد مقالة فاسدة، ولا بدعة باطلة، إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها، بأقرب طريق (2) وأصحها وأوضحها. ولا تجد بابا من أبواب المعارف الإلهية وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها، إلا وفى فاتحة الكتاب مفتاحه، وموضع الدلالة عليه. ولا منزلا من منازل السائرين إلى رب العالمين، إلا وبدايته ونهايته فيها.

ولعمر الله: إن شأنها لأعظم من ذلك، وهى فوق ذلك. وما تحقق عبد بها، واعتصم بها، وعقل عمن تكلم بها، وأنزلها شفاء تاما، وعصمة بالغة، ونورا مبينا: وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي – ووقع في بدعة (3) ولا شرك، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا إلماما غير مستقر.

هذا. وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة. ولكن:

ليس كل واحد يحسن الفتح بهذا المفتاح. ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة، وتحققوا بمعانيها، وركبوا لهذا المفتاح أسنانا، وأحسنوا الفتح به -: لو صلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق، ولا ممانع.

ولم نقل هذا مجازفة، ولا استعارة، بل حقيقة. ولكن: لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين، كماله حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم. والكنوز المحجوبة قد استخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية: تحول بين الانس وبينها، ولا تقهرها إلا أرواح علوية شريفة، غالبة لها بحالها الايماني: معها منه أسلحة لا تقوم لها الشياطين.

وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة: فلا يقاوم تلك الأرواح، ولا يقهرها، ولا ينال من سلبها شيئا. فإن ” من قتل قتيلا فله سلبه ” (1)